سورة الحجر - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


ربما: بتشديد الباء وتخفيفها، تفيد التقليل. ذرهم: اتركهم.
{تِلْكَ آيَاتُ الكتاب وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ}.
الف، لام، را... من هذه الأحرف تتالف آيات الكتاب المعجزة، وهي القرآن الواضح المبين الذي يبَين لمن تأملَه وتدبَّره رُشدَه وهُداه.
{رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ}.
سيأتي يتمنّى فيه الذين كفروا لو كانوا مسلمين في دار الدنيا، وهو يومُ القيامة عندما يَرَوْنَ العذاب، لكن هذا التمني لن يفيدَهم شيئا.
قراءات:
قرأ نافع وعاصم: {ربما} بفتح الباء بدون تشديد. والباقون: {ربما} بالتشديد.
{ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأمل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
دعهم أيها الرسول في غفلَتِهم، يأكلون، ويتمتعون في شهواتهم ولذّاتهم، وتُلهيهم الآمال.. فسوف يعلمون سوءَ أعمالهم عندما يرون العذاب. وفي هذا وعيدٌ شديد.
{وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ}.
إننا لم نُهلك أيّاً من الأمم السابقة إلاّ بعد أجلٍ مقدّر لا يُنسى ولا يُغفل. هذه سنّة الله الماضية التي لا تتخلّف، وهلاكُ الأمم مرهون بآجالها، وهذا ما أكده بقوله تعالى: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ}.
فلا يغرَّنَّهم تخلُّفُ العذاب عنهم فترةً من الزمن، فإن أجَلهم آتٍ لا يسبقونه ولا يتأخرون عنه.


الذكر: القرآن. منظرين: مؤخرين. في شيع: في جماعات مفرده شيعة. نسلكه: ندخله. يعرجون: يصعدون. سكرت: سدت ومنعت من الابصار. بروجا: منازل الشمس والقمر. شهاب: شعلة من نار، والشهبُ ما ترى ليلا تتساقط من السماء.
{وَقَالُواْ يا أيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}.
وقال بعض كفار قريش مستهزئين بالرسول الكريم: يا أيّها الرجلُ الذي زعم أنّه نُزّلَ عليه القرآن إنك لمجنون.
وقال مقاتِل: إن الذين قالوا ذلك هم: عبدُ الله بن أمية، والنضرُ بن الحارث، ونوفل بن خُلويلد، والوليدُ بن المغيرة من زعماء قريش.
{لَّوْ مَا تَأْتِينَا بالملائكة إِن كُنتَ مِنَ الصادقين}.
إن كانت ما تدّعيه حقاً وقد أيَّدك اللهُ وأرسلك، فلماذا لا تسأل اللهَ ان يُنزِل معك ملائكة من السماء يشهدون بصِدق نبوَّتِك؟ ويتكرر طلبُ نزول الملائكة لا تنزِلُ على الرسول إلاّ لهلاِك المكذِّبين من قومه حين ينتهي الأجلُ المَعلوم فقال: {مَا نُنَزِّلُ الملائكة إِلاَّ بالحق وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ}.
إنّنا لا نُنزل الملائكةَ إلاّ عندما نقرِّر أمراً له أهميته، ويكون قد مضى الأجلُ وحقَّ القولُ على الكافرين، ولو أنزلْنا الملائكةَ لأهلكنا أولئك الكافرين، ولم يكونوا مؤخَّرين.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي وحفص {ما ننزل الملائكة} بنونين وبنصب الملائكة. وقرأ أبو بكر {ما تنزل الملائكة} بالتاء والفعل يبنى للمجهول ورفع الملائكة. وقرأ الباقون: {ما تنزل الملائكة} بفتح التاء ورفع الملائكة.
ثم أجاب الله تعالى عن إنكارِهم تنزيلَ القرآن واستهزائهم بالرسول الكريم بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
ان هذه من الآيات الجلية، والقرآن كلّه جليل عزين، وفيها تحدّ كبير لكن معاند، وطمأنينةٌ للمؤمنين. فالله سبحانه وتعالى يمنُّ علينا بأن هذا القرآن من عنده، وهو حافظٌ له، لم يَكِلْ حِفظه لغيره، فهو ذِكرٌ حيٌّ خالد مصون من التحريف والزيادة والنقصان، وهو باقٍ محفوظ لا يندثر ولا يتبدّل. والتحدي قائمٌ لكل معاند.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأولين وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
ولا تحزن أيها الرسول، فقد أرسلنا قبلك رسُلاً إلى أُممٍ قد مضت، وما أتى رسولٌ أمةً إلا كذّبوه وستهزأوا به. وفي هذا تسليةٌ للرسول الكريم عما أصابه من سَفَهِ قومه، بأن هذا دأبُ الأمم المكذِّبة لِرُسُلها من قبل.. فلقد أصابهم مثلُ ما أصابك، وقد نَصَرْنا رسُلنا وسننصرك انت والمؤمنين، فَطِبْ نَفْساً ولا يَضِيقنَّ صدرُك بما يقولون.
{كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المجرمين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين}.
وكا كانت حالُ الأمم الماضية حين أُنزلتْ عليهم الكتبُ من الملأ الأعلى فأصُّروا على الكفر والاستهزاء بالرسُل- كذلك نلقي القرآنَ في قلوب المجرمين من بين قومك وهو غيرُ مقبولٍ لديهم، لأنهم أجرموا بإصرارهم على الكفر فلم يؤمنوا به.
وقد مضت سنّةُ الله في إمهالهم، وهكذا تجدنا نفعلُ باللاحقين كما فعلنا بالسابقين.
ثم بين الله تعالى عظيم عنداهم ومكابرتهم للحق فقال: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السماء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ}.
ولو فتحنا على هؤلاء المعاندين باباً من السماء يصعَدون فيه بأجسامِهم ويَرَوْن مَنْ فيها من الملائكة، وما فيها من العجائب- لقالوا لِفَرْطِ عنادهم، انما سُدَّتْ أبصارُنا، فما نراه تخيُّلٌ لا حقيقةَ له، وقد سَحَرَنا محمدٌ با يَظْهرُ على يده من الآيات، وظلّوا في عنادِهم ومكابَرَتِهم سادِرين.
قراءات:
قرأ ابن كثير: {سُكرِت} بالتخفيف، والباقون بالتشديد كما هو في المصحف.
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السماء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ}.
بعد بيان مكابرة المعاندين، وانهم لا يؤمنون حتى بالأشياء المحسوسة، عَرَضَ هنا الآيات الكونية، وما فيها من إبداعٍ لمن يفكّر ويُبْصِر.
لقد أبدْعنا هذا الكونَ، وجعلنا في السماء أشكالاً عديدةً من النجوم، منها تلك البروجُ الظاهرة للعيان، البديعةُ، الدالَّةُ على جَمال هذا الكون، وحُسنِ نظامه وزينّاها بالكواكب للناظِرين المعتبرين والمفكرين.
فهلاّ نظر أولئك المعاندون إلى هذه السماء وما فيها من بروج ظاهرة، ونجومٍ ساطعة وأقمار نّيرة، ومجَرّات عظيمة، فإن فيها عبرةً لمن اعتبر!
{وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلاَّ مَنِ استرق السمع فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ}.
ولقد حفظنا السماءَ ومنعنا كلَّ شيطانٍ رجيم من القرب منها، فلا ينالُها ولا يدنِّسها، ولكن من أرادَ من هؤلاء الشياطين ان يَستَرِقَ الاستماع من عالم الغيب، فنحن نلحقه بشهاب مشتعل محرق، فهم أعجَزُ من أن يَصِلوا إليها.


مددناها: بسطناها. رواسي: هي الجبال الثابتة. موزون: مقدر. فانزلنا: فأعطينا. لواقح: جمع لاقح. معناها حوامل للماء، ومعنى آخر لانها تلقح النباتات والشجر. المستقدمين: الذين ماتوا. المستأخرين: الاحياء الذين لم يموتوا بعد.
{والأرض مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ}.
وخلقنا لكم الأرضَ ومهّدناها حتى صارت كالبساط الممدود، ووضعنا فيها جبالاً راسياتٍ ثابتة، وأنبتْنا لكم فيها من كلّ أنواعِ النبات ما يحفَظ حياتكم، وجعلناه مقدَّراً بأزمانس معيَّنة في نموِّه وغذائه، ومقدِّرا بمقدار حاجتكم، في أشكاله في الخلْق والطبيعة.
وتقرر هذه الآية حقيقةَ كونيةً لم تُعرَفْ الا في العصور الأخيرة، وهي ان كلَّ صنفٍ من المبات أفرادُه متماثلة من الوجهة الظاهرية، وكذلك في التناسُق الداخلي، التوازنُ دقيق فيكل أجهزِة النبات المختلفة، وكذلك بين الخلايا لتحقيق الغرض الذي وُجدت من أجْله.
{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ}.
وجلعنا لكم في الأرضِ أسبابَ المعيشة الطيّبة من غذاءٍ وماءٍ، ولباسٍ ودواء، ومعادنَ تنفعون بها، وغيرِ ذلك مما لا يُعَدّ ولا يُحصى. وكما أن فيها أسبابَ المعيشة الطيّبة ففيها المعيشةُ لمن يكونون في وَلايتكم من عيالٍ وأبتاع، فاللهُ وحدَه يرزقُهم وإياكم، فكلُّ أولئك رِزْقُهُم على خالِقهم لا عليكم.
{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}.
وما من شيء ينتفعُ به العبادُ من المصادرِ والموارد إلا هو موجودٌ عندنا مخزون، وما نعطيه الا بقدَر معلومٍ وحسْبَ مشيئِتنا وحاجةِ الخلق اليه.
ثم فصّل بعض ما في خزائنه من النعم فقال: {وَأَرْسَلْنَا الرياح لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ}.
وقد أرسل الله تعالى الرياحَ بالماءِ تحملُه، فتحيي الأمطار الخلقَ والأرض وتعطيها حياةً جديدة، فتُزهرُ بكلّ لونٍ بهيج، ويشرب منها الإنسانُ ويسقي زرعه وحيوانه.
والخلاصة: نحن القادرون على ايجاد الماء وخزنه في السحاب وإنزاله مطراً، وما أنتم على ذلك بقادرين، لأنه في دورة مستمرة، يبتخر من البحر والأرض، ثم تحمله السحب فينزل على الأرض ويعود إلى البحر.
وقد زاد بعض المفسرين معنى آخر لكملة لواقح فقالوا: إن الرياح تحمل اللقاح من شجرةٍ إلى شجرة، ومن نبته إلى أختها، وهذا أيضا لم يكن معروفا في الازمان السابقة، فيكون هذا أيضا من معجزات القرآن الكريم.
قراءات:
قرأ حمز وحده: {وارسلنا الريح} بالإفراد، والباقون بالجمع كما هو في المصحف.
بعد أن ذكر الله تعالى نظم المعيشة في هذه الحياة بين ان الحياة والموت بيده وانه هو الحي الباقي يرث الأرض ومن عليها.
{وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الوارثون}.
ان كل شيءٍ في هذه الحياة مَرْجِعُه إلى الله، الحياةُ والموتُ بيده، وسيموت الخلقُ جميعا ولا يبقى حي سواه.
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام} [الرحمن: 27- 28].
{وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستأخرين}.
ولقد عَلِمْنا من مضى منكم وأحصيناهم وما كانوا يعملون، وعَلِمْنا من هو حيّ ومن سيأتي بعدكم، فلا تخفى علينا أحوالكم ولا أعمالكم.
{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}.
وسيجمع الله المتقدِّمين والمتأخرين جميعاً عنده يومَ القيامة وإليه المصيرُ، حيث يجازي كّلاً بما عمل، وهو حكيم يقدّر لكل أمةٍ أجَلَها بحكمته، ويعلم متى تموت ومتى تُحشر.

1 | 2 | 3 | 4